دور السنة النبوية في معالجة التلوث الفكري

إعداد:

 - د. محمد مولانا نور خالص 

-      محمد عيدروس بيهقي

 

 نعيش الآن في عصر المعلومات، أو العصر الرقمي، هو الفترة الزمنية التي تتميز بالانتشار السريع لتكنولوجيا المعلومات والإنترنت، مما أدى إلى تحول جذري في كيفية وصول الأفراد إلى المعلومات ومشاركتها. والتعامل والمشاركة في عصر المعلومات بدون زمام وتحكم تؤدي إلى مخاطر كبيرة منها التلوث الفكر.

التلوث الفكري هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى تلوث العقل والوعي بسبب تأثر الفرد أو المجتمع بمفاهيم وأفكار غير سليمة أو مغلوطة، سواء كانت ناتجة عن وسائل الإعلام، الإنترنت، أو المؤثرات الاجتماعية والسياسية، يشمل هذا النوع من التلوث نشر الأفكار الهدامة والمغلوطة التي تؤثر سلبًا على تفكير الأفراد وتوجهاتهم، مما قد يؤدي إلى انتشار الجهل، الخرافات، والتطرف الفكري.

نعيش في زمان

أسباب التلوث الفكري

1.   وسائل الإعلام: تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في نشر المعلومات، سواء كانت صحيحة أو مغلوطة. الأخبار المزيفة، الشائعات، والمعلومات المشوهة تُسهم في توجيه الرأي العام نحو اتجاهات غير منطقية أو منحرفة.

2.   الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي: أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنشر الأفكار المغلوطة، حيث يمكن لأي شخص نشر محتوى دون فحص دقيق للحقائق، وهذا يسهم في زيادة المعلومات المضللة والتي تؤدي إلى تلوث فكري.

3.   الأنظمة التعليمية: في بعض الأحيان، قد تكون الأنظمة التعليمية غير قادرة على تقديم المناهج التي تحفز التفكير النقدي والتحليل، مما يؤدي إلى استيعاب أفكار غير دقيقة أو متحيزة 

4.   الظروف الاجتماعية والسياسية: في بعض البلدان أو المجتمعات، قد يكون هناك توجيه فكري أو سياسي يحاول فرض رؤى معينة على الأفراد، مما يؤدي إلى تلوث الفكر وافتقاد التنوع الفكري.

 

آثار التلوث الفكري

1.   انتشار الجهل والخرافات: يؤدي التلوث الفكري إلى تغذية الخرافات والمفاهيم المغلوطة، مما يؤثر في وعي الأفراد ويمنعهم من التفكير بشكل علمي أو عقلاني.

2.   التطرف والتعصب: من خلال تبني أفكار غير متوازنة أو متطرفة، قد يؤدي التلوث الفكري إلى تطرف الأفراد في آرائهم، سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية، مما يساهم في زيادة الانقسامات في المجتمع.

3.   ضعف القدرة على التفكير النقدي: يتسبب التلوث الفكري في إضعاف القدرة على التفكير النقدي وتحليل المعلومات بشكل منطقي، مما يجعل الأفراد عرضة للتأثر بالأفكار السطحية والمضللة.

4.    يمكن أن يساهم التلوث الفكري في تحفيز النزاعات الاجتماعية والسياسية.

 

         السنة النبوية لها دور مهم في تمييز الأخبار بين الصحيح والسقيم. وتعتبر السنة النبوية وعلوم الحديث أدوات حاسمة في مكافحة المعلومات الكاذبة، حيث توفر إطارًا منهجيًا للتحقق من صحة الأحاديث النبوية ومن ثم التصدي للمعلومات المغلوطة التي قد تنتشر باسم الدين. والناظر في علوم الحديث يجد قواعد أساسية وأسس منضبطة تميز بين الأخبار الصحيحة عن الأخبار الكاذبة. ومن دور السنة في معالجة الأخبار المغلوطة المنتشرة والأفكار الملوثة هي:

الأول: تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الإشاعة ونشر الأخبار دون التأكد من صحتها. فقد وردت بعض الأحاديث النبوية التي تحذر الناس من الإشاعة ونشر الأخبار المغلوطة الكاذبة. منها فيما أخرجه مسلم في صحيحه (1/10) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)). قال ابن الجوزي في كشف المشكل: وذلك لأن من حدث بكل ما سمع من غير أن يميز بين ما تقبله العقول مما لا تقبله أو من يصلح أن يسمع ما يحدث به ممن لا نسب إلى الكذب. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/405): لأنه يسمع الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع كذب لا محالة، فالتحدث بكل مسموع مفسدة للصدق ومزراة.

         ومنها ما جاء في الصحيحين أخرجه البخاري (2/124) ومسلم (3/1341) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)). قال الشيخ محمد الأمير الصنعاني في سبل السلام (4/163): والمراد به نقل الكلام الذي يسمعه إلى غيره فيقول قيل كذا وكذا بغير تعيين القائل، وقال فلان كذا وكذا. وإنما نهي عنه لأنه من الاشتغال بما لا يعني المتكلم لكونه قد يتضمن الغيبة والنميمة والكذب، ولا سيما مع الإكثار من ذلك قلما سواده عنه.

         وقال المحب الطبري: فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنهما مصدران للقول تقول قلت قولا وقيلا، وفي الحديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام. ثانيها إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها لتخبر عنها، فتقول قال فلان كذا وقيل له كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لما يكرهه المحكي عنه. ثالثها أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين، كقوله قال فلان كذا، وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك في أن يكثر منه بحيث لا يأمن من الزلل وهو في حق من ينقل بغير تثبت في نقله لما يسمعه ولا يحتاط له.

 

الثاني: التأكد في صحة الأخبار بالنظر إلى ناقلها ومصدرها. إن الخبر لا يقبل إلا إذا يتحقق فيه شروط خمسة منها:

1.   إتصال الإسناد، بأن يكون كل واحد من رواة الخبر قد تلقاه ممن فوقه من الرواة وهكذا إلى أن يبلغ التلقي بقائله ومصدره.

2.   عدالة الراوي، وهي ركن هام في قبول الرواية والأخبار، لأنها الملكة التي تحث على التقوى، وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة.

3.   الضبط ومعناه أن يحفظ الراوي الحديث في صدره أو كتابه، ثم يستحضره عند الأداء، وهذا الشرط يستدعي عدم غفلته، وعدم تساهله عند التحمل والأداء.

4.   عدم الشذوذ: والشذوذ هو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أقوى منه لأنه إذا خالفه من هو أولى منه بقوة حفظه أو كثرة عدد كان مقدما عليه، وكان المرجوح شاذا. وتبين بشذوذه وقوع وهم في رواية هذا الحديث.

5.   عدم الإعلال: ومعناه سلامة الحديث من علة تقدح في صحته، أي خلوه من وصف خفي قادح في صحة الحديث.    

إذا توافرت هذه الشروط في الأخبار تكون صحيحة ويمكن أن ننشرها ونعمل بها. فعلى العاقل أن يراعي في نقل ونشر الأخبار على الضوابط التي حددها أهل الحديث، لأنها تضمن على صحة الأخبار، كما يجب عليه التنبه وعدم الإسراع في نشر الأخبار، كما ينبغي عليه أن يترك الإشاعة وترك ما لا يعنيه.       

 

المصادر:

-      منهج النقد في علوم الحديث، للدكتور نور الدين عتر، ط/ دار الفكر دمشق.

-      الوسيط في علوم الحديث للدكتور محمد أبو شهبة. ط/ عالم المعرفة.

-      التلوث الفكر وأثره في الظاهرة الإجرامية، عدي طلفاح الدوري، مجلة جامعة السلطان قابوس للدراسات القانونية، العدد 1، سبتمبر 2022

-      صحيح البخاري، ط/ دار طوق النجاة

-      صحيح مسلم

-      التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي، مكتبة الإمام الشافعي – الرياض

-      سبل السلام شرح بلوغ المرام، للشيخ محمد الأمير الصنعاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي.